علي عكس كثير من الموضوعات المرتبطة بالطلب علي المنتجات والخدمات، فإن البحوث المتعلقة باقتصاديات هندسة البرمجيات لها مكون تكنولوجي. وترتكز معظم هذه البحوث بتقييم التكنولوجيا أو المداخل الجديدة الواعدة لتطوير البرمجيات. وقد يبتعد ذلك التوجه مع كثير من الأعمال المرتبطة بجانب الطلب عليها التي تكون أكثر قربا من البحوث الاقتصادية التقليدية.
وعلي هذا النهج فإن اقتصاديات هندسة البرمجيات تتطلب بعض المهارات والمعرفة الخاصة بمجال البرمجيات من جهة والاقتصاد من جهة أخري. وطبقا لذلك، فإن موضوع اقتصاديات هندسة البرمجيات الجديد جذب اهتمام بعض الباحثين المتخصصين في علم الحاسب الآلي وما يرتبط به من هندسة البرمجيات وانعكس عملهم في إطار المراجعة لما هو متواجد بالفعل ومقترحاتهم نحو المستقبل. ويتجه هذا التجميع المرتبط بمهارة المتطلبات أيضا بإعداد البحوث التي قد تكون صعبة مقارنة بالبحوث التي تختص بالطلب علي السلع والخدمات التقليدية.
ويمثل المزاولون المستخدمون لهندسة البرمجيات المطبقة في الأعمال بأنهم أكثر الفئات اهتماما بفهم أوجه الابتكار والإبداع في هذا المجال وتؤدي بأسلوب أحسن يطبق علي أوضاعهم المعينة. ويحدد ذلك الدافع والمحرك الرئيسي لبحوث اقتصاديات هندسة البرمجيات، إضافة للنمو المطرد لصناعة البرمجيات وحزمها، وبذلك ارتكز مجال الاهتمام علي البرمجيات كسلعة اقتصادية.
ويعني مفهوم "هندسة البرمجيات Software Engineering " تطبيق العلم والرياضيات التي من خلالها تصبح قدرات الحاسبات مفيدة عبر البرامج والإجراءات والتوثيق. أما مفهوم "البرمجيات" فيمثل مجموعة كاملة من البرامج والإجراءات والتوثيق المرتبط بها في إطار نظام حاسب آلي. وترتبط عملية تطوير دورة حياة البرمجيات علي عدد من المراحل والأنشطة. وتتمثل المراحل في التالي: (محمد محمد الهادي، 2001) الخطط والمتطلبات، تصميم منتج البرمجيات، البرمجة أو إنتاج البرمجيات، التكامل والاختبار، الصيانة والتحديث. أما الأنشطة المرتبطة بتلك المراحل وتختص بالتالي: التخطيط، التوصيف، التنفيذ، والاختبار. وكل من المراحل والأنشطة ذات طابع فكري يرتبط بالتفكير العقلي والابتكار والإبداع.
ويتعرض هذا العمل باستعراض مفاهيم اقتصاد المعرفة واقتصاد المعلومات والاقتصاد الرقمي؛ تحديد خلفية وأجيال مجال هندسة البرمجيات من بداية الستينيات من القرن الماضي حتى بداية القرن الواحد والعشرين؛ والتعرف علي مجال هندسة البرمجيات وطبيعته ومفهومه وارتباطه بعلم الحاسب الآلي؛ عرض خصائص وأبعاد صناعة البرمجيات؛ توضيح اقتصاديات هندسة البرمجيات في اتخاذ القرارات لخلق قيمة مضافة ومراقبة الاستثمار والميزة التنافسية؛ وبيان عناصر مزاولة تطبيقات اقتصاديات هندسة البرمجيات؛ واستعرضت أسس تحسين هندسة البرمجيات للارتقاء بصناعة البرمجيات لدعم الاقتصاد الوطني؛ كما بينت تحديات التقدم في اقتصاديات هندسة البرمجيات؛ واختتم هذا العمل باستنتاج مجموعة من النتائج والتوصيات التي تركز علي خلق واعتماد الأدوات والمعايير الوطنية المتمشية مع العالمية منها.
2. اقتصاد المعرفة
يقوم الاقتصاد الحالي المعاصر علي توليد القيمة الناجمة عن التجديد والابتكار والإبداع التي أسستها المعرفة المكتسبة عن طريق التعليم والتدريب والممارسة والمعرفة القابلة للترميز. وتحقيق ذلك، يعتمد علي مجموعة من الهياكل والمقومات الضرورية التي من أهمها التعليم والتدريب والبحث والتطوير المعتمد علي تواجد نظام إبداع وطني كفء.
وينظر إلي اقتصاد المعرفة من عدة أوجه منها:
أولا، سرعة التطور التكنولوجي وعلي وجه الخصوص تطور التكنولوجيا التي تشكل اقتصاد المعرفة الحديث مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي ترتكز علي تطوير هندسة البرمجيات؛
ثانيا، الوجهة الاقتصادية حيث أصبحت كل المجالات الزراعية والصناعية والتعليمية والإدارية، الخ تعتمد بقوة علي المعرفة المرتبطة بالمعلومات والبرمجيات المشغلة لهذه المجالات؛
ثالثا: الوجهة الاجتماعية التي توضح أن وصول المعرفة وتكنولوجياتها من البرمجيات أصبح ضرورة لكل فئات المجتمع بأفراده ومنظماته ومنشآته ويؤدي إلي تنمية رأس المال البشري الخلاق عن طريق إتاحة التعلم والتدريب المستمر للجميع بجودة عالية، ويعتمد علي رأس المال البشري في تطوير وإنتاج البرمجيات بكل أنواعها.
وعلي ذلك، فإنه بالنظر إلي اقتصاد المعرفة من المنظور السابق، يصبح هذا الاقتصاد وسيلة لتقليل وتقليص الفجوة المعرفية والفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والدول النامية، وخاصة عندما تتحول المعرفة إلي عنصر أساسي مساعد علي النمو والتنمية ويحل محل العناصر التقليدية المتمثلة في المواد الأولية ورأس المال المادي والقوي العاملة غير المؤهلة، حيث يؤكد السلع الذهنية المرتبطة بالفكر والإبداع والمهارة الفائقة التي منها اقتصاد هندسة البرمجيات الحديثة.
وعلي الرغم من الجهود الحثيثة التي تقوم بها مصر وكثير من البلاد العربية نحو الاهتمام بتطوير صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إلا أنه ما زال هناك إفراط في الاعتماد علي المواد الأولية وافتقار إلي القيمة المضافة والاقتراب من اقتصاد المعرفة المعتمد علي صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة وخاصة صناعة البرمجيات التي تشغل هذه التكنولوجيات وتصبح قيمة مضافة لكل قطاعات المجتمع المعاصر.
ومن الملاحظ أن الاقتصاد الوطني والعالمي كان معتمدا، منذ القرن التاسع عشر وحتى النصف الثاني من القرن العشرين، علي الطاقة أو العمل ورأس المال. ومنذ النصف الثاني من القرن العشرين، أخذ هذا المنحي يتغير بوضوح نحو الاعتماد علي المعلومات والمعرفة، بديلا عن رأس المال والطاقة باعتبارهما العاملين الأساسيين لتوليد وإنتاج الثروة، تماما مثلما حل رأس المال والطاقة محل القوي العاملة اليدوية غير الماهرة والأراضي في نهاية القرن الثامن عشر. وفي القرن العشرين أيضا أدي التطور التكنولوجي إلي التحول من العمل الجسدي إلي العمل القائم علي المعرفة لتوليد الثروة. فالتكنولوجيا والمعرفة هما العاملان الرئيسيان في الإنتاج في الوقت الحاضر.
ويشير الوضع الاقتصادي الحالي إلي الميزة النسبية الوحيدة التي يمكن أن تتمتع بها شركة أو منظمة أو حتى دولة معينة تكون في قدرتها علي الابتكار والتجديد الناجمان من المعرفة المهنية للسوق والتكنولوجيا، إضافة إلي المواهب الخلاقة لعمال المعرفة في التعامل مع قضايا تنافسية متلاحقة. وعملية الابتكار والإبداع تتطلب تفاعلا عميقا ومكثفا يجري في كل الاتجاهات بين مختلف الأطراف أو القوي المؤثرة من مؤسسات وجامعات ومختبرات أو معامل ومستهلكين. وهكذا يكون الابتكار والإبداع نتيجة لتفاعلات كثيرة بين كيانات أو أطراف أو قوي متعددة تؤلف ما يمكن تسميته "نظام الإبداع الوطني" الذي سبق الإشارة إليه في المؤتمر العلمي التاسع لنظم المعلومات وتكنولوجيا الحاسبات ، عن "الابتكار والإبداع لتطوير صناعة المحتوي الإلكتروني في مصر" الذي عقدته الجمعية المصرية لنظم المعلومات وتكنولوجيا الحاسبات في فبراير عام 2002. (محمد محمد الهادي، 2002) وفي نظام الإبداع الوطني يتفاعل الصناعة والجامعات ومراكز البحوث والحكومة والقطاع الخاص ضمن إطار تطوير العلم والتكنولوجيا والارتقاء بالتعليم والبحث العلمي والتطوير والاقتصاد المشترك.
محمد محمد الهادي. اقتصاديات هندسة البرمجيات .- cybrarians journal .- ع 14 (سبتمبر 2007) . - تاريخ الاتاحة < اكتب هنا تاريخ اطلاعك على الصفحة > . - متاح في : http://www.cybrarians.info/journal/no14/economic.htm
تعليقات
إرسال تعليق